1- فتنة لايجوز السكوت عنها
أمرنا الشارع تبارك وتعالى بإعتزال الفتن فقال عز من قائل (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأوو إلى الكهف ٠٠٠) الكهف 16.
وقد عد الإمام البخاري رحمه الله الفرار من الفتن من الدين، ولذلك بوّب في كتاب الإيمان من صحيحه باب (من الدين الفرارمن الفتن) وذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفربدينه من الفتن)، والعلة في ذلك لكي يحفظ المسلم دينه ويسلم من الكبائر التي تصل إلى اللعن والتكفير والقتال.
لكن هل إعتزال الفتن عام أم أن المسألة فيها تفصيل؟
لاريب أن المسألة فيها تفصيل يرجع إلى نوع الفتنة التي وقعت، فالفتن التي إلتبس فيها الحق من الباطل ولم يتضح فيها الظالم من المظلوم، فهذه التي أمرنا بإجتنابها وأمثلتها كثيرة جدا، مثل الفتن التي وقعت زمن الصحابة رضوان الله عليهم كفتنة (صفين) و (موقعة الجمل)، فقد كانت مبنية على إجتهاد وتأويل، أما الفتن التي لايجوز السكوت عنها واجتنابها فهي التي كان الحق فيها واضحا جليا مثل فتنة (الردة) و (منع الزكاة) بولاية ابي بكرالصديق رضي الله عنه، و(ظهور الخوارج) بولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في هذه الفتن لم يسكت الصحابة ولم يعتزلوا تلك الفتن، بل تكلموا فيها حيث بينوا الحق، وعندما أمر ولي الأمر بالقتال تسابقوا للمشاركة تحت رايته.
وقد حدثت بزمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتنتين، الأولى كان الحق فيها واضحا بالنسبة للصحابة رضي الله عنهم وهي (ظهور الخوارج)، أما الثانية فلم تتضح لهم وهي (موقعة الجمل)، ولذلك فإنهم لم يسكتوا في الأولى، بل بينوا الحق ونصروه، أما في الثانية فإن الكثير منهم قد خالف عليا رضي الله عنه واعتزل تلك الفتنة، بل إن عليا نفسه رضي الله عنه كان مسرورا مطمئنا لقتال الخوارج ويروي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بقتالهم والأجر المترتب على ذلك، في حين أنه رضي الله عنه في ( موقعة الجمل) يقول بأنه إجتهاد شخصي ومجرد رأي رآه ليس معه فيه نص، بل كان أحيانا يثني على من لم ير القتال معه كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في فتاواه.
ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله في تعليقه على حديث إعتزال الفتن الذي ذكرت آنفا "وهذه الحال تحمد في بعض الأماكن والأوقات دون بعضها، وإلا فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من هؤلاء، فالعزلة في وقت تجب فيه، ووقت تستحب فيه، ووقت تباح فيه، ووقت تكره فيه، ووقت تحرم فيه".
ونحن في محافظة الخفجي نذكر جيدا فتنة غزو حاكم العراق صدام حسين لدولة الكويت وماحصل فيها من سفك للدماء وتشريد شعب بأكمله في جريمة نكراء عايشناها واكتوينا بلظاها، وقد قال البعض " إنها فتنة تجتنب"، فتصدى لهم سماحة العلامة عبدالعزيز إبن باز قائلا رحمه الله " القاعدة في الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها أن تكون مشتبهة يشتبه فيها الحق بالباطل، فلا يتضح الحق ولا يتضح الباطل، ولا يتضح الظالم المعتدي الباغي من المظلوم" .
اذا الضابط في الفتن التي يتكلم فيها لبيان الحق هي التي بان فيها ذلك الحق فحينئذ فلا مندوحة من قول الحق وبيان الباطل والتحذير منه ، أما الفتنة المشتبهة فيجب إجتنابها حفاظا على الدين والدماء، إذاتقرر ذلك فكيف يكون الكلام في الفتن؟
هذا ما سأبسط فيه الكلام في مقال قادم بإذن الله.
مستشار شرعي وقانوني
التعليقات 10
10 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
زائر
08/08/2017 في 1:09 م[3] رابط التعليق
كلام جميل ورائع وننتظر مقالك القادم
زائر
08/10/2017 في 7:22 م[3] رابط التعليق
تم نشرالمقال، جزاك الله خير
خالد الحربي
08/08/2017 في 6:40 م[3] رابط التعليق
كلام جميل وختيار موفق وتلميح مشهود من واقع ملموس سلط عليه الضوء من صاحب قلم جميل مشهود له بالكثير من المقالات والكتابات الرائعة .
لايسعني أن أقوول إلا عوداً حميداً أبوتركي
زائر
08/10/2017 في 7:25 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير يابوشيخه على حرصك وتشجيعك
م1/ علي الشهري
08/11/2017 في 2:52 ص[3] رابط التعليق
مبدع يابو تركي …
انت من تعلمت منه الكثير استفد من تجاربك وخبراتك العلميه و العمليه ، وهاهو انا في صرعاً مع الوقت للاستفاده من ما لديك من خبره و معرفه ولو بالشيئ القليل.
زائر
08/12/2017 في 5:10 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خير يابومحمد
زائر
08/14/2017 في 4:12 م[3] رابط التعليق
مقال رائع جدا
زائر
08/15/2017 في 6:13 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير
أبو سامر الخالدي
08/21/2017 في 10:22 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خير ابا تركي .. ونسأل الله جل في علاه ان يكفينا وياكم شر الفتن ماظهر منها وما بطن .. والحقيقة كما تفضلت ان المسالة فيها تفصيل ولعل اهم ماقد يقال ان العالم ليس كالجاهل فمن علم الفتنة وعلم خطورتها ومدى مخالفتها لشرع الله وجب عليه بالتاكيد الذود عن حياض الدين والمنافحة في سبيل احقاق الحق واظهاره .. واما ان كان جاهلا بذلك فلايكلف الله نفسا الا وسعها ويكون الاعتزال انذاك افضل واقرب للحق .
وفقك الله وسدد على طريق الخير خطاك .
زائر
08/21/2017 في 6:19 م[3] رابط التعليق
إضافة مهمة بدون شك، فعلا مثل ماذكرت
جزاك الله خير يابوسامر