أكـد معالي وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ د. وليد الصمعاني أن افتتاح المحاكم التجارية ومباشرة اختصاصاتها سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في دعم قطاع الأعمال والاستثمار بالمملكة، من خلال سرعة إنجاز القضايا والمنازعات التجارية، مشدداً على أن ذلك سيشمل التدريب والتأهيل وإعادة هندسة الإجراءات.

وقال د. الصمعاني في حديث لـ «الرياض»: إن اكتمال سلخ القضاء التجاري من ديوان المظالم إلى القضاء العام ومباشرة المحاكم التجارية أعمالها يأتي مواكبةً لرؤية المملكة 2030 في جانب تحقيق الأمان الاستثماري بالمملكة للوصول إلى أفضل المؤشرات الاقتصادية الدولية، والوصول إلى التنافسية الجاذبة، بما يتناسب مع المكانة الكبيرة للمملكة اقتصادياً.

وبيّن معاليه أنه روعي عند افتتاح المحكمة التجارية أن تتوافق مع أفضل التطبيقات الدولية سواءً فيما تعلق بكفاءة الإجراءات أو إدارة الدعوى أو الخدمات الإلكترونية المقدمة أو في رفع جوانب الوعي لدى المتقاضين، كاشفاً عن مباشرة 173 قاضياً في 66 محكمة ودائرة تجارية موزعة بمختلف مناطق المملكة، والنية للتحول الإلكتروني لكافة أعمال المحاكم التجارية.

وفيما يلي نص الحوار:

رفع الكفاءة وسرعة الإنجاز

  • باشرت المحاكم التجارية اختصاصاتها تحت مظلة القضاء العام في 1/1/1439 هـ، تفعيلاً لنظام القضاء بتخصيص القضاء التجاري وفصله عن ديوان المظالم، كيف يرى معاليكم هذه الخطوة؟ وكم بلغ عدد المحاكم التجارية، وأعداد القضاة العاملين فيها؟
  • إن تخصيص القضاء التجاري يعد نقلة نوعية في تاريخ القضاء السعودي، والذي من شأنه دعم بيئة الاقتصاد والاستثمار في المملكة، بإذن الله، وهذه النقلة النوعية ما كان لها أن تنجز بهذه الفترة لولا الدعم والاهتمام الكبيرين الذي يلقاه مرفق القضاء بفرعيه (العام، والإداري) من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- وبمتابعة مباشرة من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفقه الله- فهذا التخصيص ثمرة دعمهم وتوجيهاتهم الكريمة نحو تطوير مرفق القضاء وتعزيز استقلاله بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومع النظام الأساسي للحكم في المملكة، مما سيرفع بإذن الله من كفاءة عمل القضاء التجاري في المملكة ويسهم في سرعة الإنجاز في مثل هذا النوع من القضايا بما يتواءم مع طبيعتها التي تتطلب سرعة الفصل فيها، الأمر الذي سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في دعم قطاع الأعمال والاستثمار وتسريع إنجاز القضايا والمنازعات التجارية.

وأضاف: رؤية وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء بالنسبة للقضاء التجاري تنطلق من كونه قضاءً متخصصاً بكل ما يحمله هذا المفهوم من معنى، سواءً أن يكون هذا التخصيص من ناحية الإجراءات أو من ناحية تأهيل الكوادر العاملين فيه من قضاة ومعاوينهم، وقد تبنت المملكة عدداً من المبادرات والإجراءات التي ساهمت في بناء المنظومة العدلية للقضاء التجاري، سواء كان ذلك بتخصيص القضاء التجاري، أو بدعم بدائل تسوية النزاعات من غير اللجوء للقضاء عبر إنشاء المركز السعودي للتحكيم التجاري.. أما ما يتعلق بالمحاكم التجارية التي باشرت أعمالها غرة الشهر الجاري فهي مكونة من دوائر استئناف تجارية مشكلة من دوائر من ثلاثة قضاة، وقد بلغ عدد دوائر الاستئناف التجارية في محاكم الاستئناف ثماني دوائر يعمل بها 24 قاضي استئناف، في كل من مناطق الرياض، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والشرقية، وعسير.

173 قاضياً باشروا أعمالهم في 66 محكمة تجارية.. وراعينا أفضل التطبيقات الدولية في المحاكم الجديدة

وإلى جانب دوائر الاستئناف هناك محاكم الدرجة الأولى وتضم دوائر مشكلة من ثلاثة قضاة، ودوائر مشكلة من قاض فرد خصصت للقضايا اليسيرة، وقد بلغ عدد المحاكم التجارية التي افتُتحت ثلاث محاكم، تقع في الرياض، وجدة، والدمام، وعدد دوائرها 41 دائرة ما بين مشتركة وفردية، كما بلغ عدد قضاتها (102) أما الدوائر التجارية، فتتوزع في المحاكم العامة بمكة المكرمة والمدينة المنورة وحائل وتبوك وسكاكا وبريدة والباحة وأبها، وبلغ عدد دوائرها (17) دائرة، وعدد قضاتها (47) قاضيًا.

تطور القضاء التجاري

  • أولت المملكة الفصل في المنازعات التجارية أهمية كبيرة منذ عقود من الزمن، وهناك متغيرات مر بها هذا النوع من الاختصاص للمحاكم، كيف كانت بداياته؟
  • إن عناية المملكة بالقضاء التجاري بدأت من حين تأسيسها، فقد كان من أوائل الأنظمة التي صدرت في المملكة النظام التجاري، وقد مر نظر المنازعات التجارية بعدة مراحل امتدت لما يقارب خمسة وثمانين عاماً، وبلمحة تاريخية موجزة لنظر المنازعات التجارية في المملكة نرى إصدار (النظام التجاري) أو ما عرف بـ (نظام المحكمة التجارية) الذي صدر بالأمر الملكي رقم (32) في 15 محرم 1350هـ الموافق 1 يونيو 1931م، ولا يفوتني هنا الإشادة بدعم القيادة الحكيمة للقضاء التجاري، والذي واكب مراحله وصولاً إلى افتتاح المحاكم التجارية ومباشرة اختصاصاتها، والذي كان له أكبر الأثر فيما تم وسيتم بإذن الله.

مواكبة رؤية 2030

  • ولكن معالي الوزير كان لتخصيص القضاء التجاري أهداف كبيرة تتوخاها المملكة وتتأمل من تحقيقها تعزيز البيئة الاستثمارية، واطمئنان الشركات والمؤسسات على التأكد من الحماية القانونية لاستثماراتهم وأموالهم.. فما هي بنظركم الأهداف والمرتكزات التي ستتحقق من تخصيص هذا النوع من القضاء؟.
  • من المهم الإشارة ابتداءً إلى مواكبة افتتاح المحاكم التجارية ومباشرة اختصاصاتها لرؤية المملكة (2030)، ولا شك أن من أهم الغايات من تخصيص المحاكم التجارية مراعاة طبيعة الدعوى التجارية، والتي تتطلب سرعة الفصل فيها، ولذا فإن تسريع الفصل في الدعوى التجارية مع تحقيق جودة عالية سينعكس إيجاباً على البيئة الاستثمارية والتجارية، وصولاً إلى أفضل المؤشرات الدولية في هذا المجال، وقد تمت الإفادة في هذا المجال من أحدث التطبيقات الدولية في تسوية المنازعات التجارية.

مباشرة الاختصاص

  • وكم هي المدة الزمنية التي استغرقتها الجهات القضائية في إنفاذ الأمر الكريم الخاص بسلخ الدوائر التجارية من ديوان المظالم ونقلها إلى القضاء العام؟
  • سلخ الدوائر التجارية تم وفق التراتيب التي تضمنتها آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم فيما تضمنه البند ثامناً الصادرة بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ، وقد تضمن أن يكون السلخ بعد مباشرة المحاكم التجارية اختصاصاتها، وتم تحديد تلك الاختصاصات بموجب التعديلات على نظام المرافعات الشرعية، كما تضمنت الآلية أن يحدد المجلس الأعلى للقضاء فترة انتقالية -بعد تعديل نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية- لتباشر بعدها المحاكم التجارية اختصاصاتها، وكان الهدف من ذلك استيفاء متطلبات مباشرة المحاكم التجارية اختصاصاتها المنصوص عليها في آلية العمل التنفيذية، وبعد انقضاء الفترات الانتقالية واستيفاء تلك المتطلبات تمت مباشرة المحاكم التجارية اختصاصاتها بتاريخ 1/1/1439 هـ، وأودّ هنا أن أشكر كافة العاملين في فرق العمل بالمجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل الذين عملوا لإنجاح عملية السلخ في فترة زمنية قياسية، ومن المهم الإشارة في هذا الجانب إلى جهود ديوان المظالم، والذي كان له مساهمة فاعلة في استيفاء تلك المتطلبات، وقد كان التنسيق ولله الحمد على أعلى المستويات، حيث تم توقيع وثيقة سلخ الدوائر التجارية التابعة لديوان المظالم إلى القضاء العام وتشكيل عدد من فرق العمل المشتركة.

التنافسية الجاذبة

  • كما يعلم معاليكم أن من أهم متطلبات مؤشرات الأعمال المقرة من البنك الدولي أن يكون هناك محاكم متخصصة للنظر في القضايا التجارية، كيف سينعكس ذلك على تصنيف المملكة في تلك المؤشرات، وهل سيتم مواصلة نشر الأحكام المتميزة للقضاء التجاري؟
  • الوصول إلى التنافسية الجاذبة يتسق مع رؤية المملكة (2030)، وينبغي التأكيد هنا على أن المملكة ولله الحمد تتمتع بمكانة كبيرة على مستوى الاستثمار المحلي أو الأجنبي، وأكد تلك المكانة المؤشرات الدولية، ولا شك أن من أهم العوامل في هذا الجانب ما حققته المملكة في مجال تسوية المنازعات التجارية وإنفاذ العقود، والذي يتمثل في جانبين رئيسين هما: نظر المنازعة التجارية، وإنفاذ الحكم الصادر فيها، ففيما يتعلق بنظر المنازعة التجارية، وافتتاح المحكمة التجارية سيسهم مساهمة كبيرة في هذا المجال، حيث روعي عند افتتاح المحكمة التجارية أن تتوافق مع أفضل التطبيقات الدولية سواءً فيما تعلق بكفاءة الإجراءات أو إدارة الدعوى أو الخدمات الإلكترونية المقدمة أو الوسائل البديلة لفض المنازعات أو في رفع جوانب الوعي لدى المتقاضين.

وفيما يتعلق بنشر الأحكام، فسيتم بإذن الله نشر الأحكام التجارية المميزة، استمرارًا للجهود المشكورة لديوان المظالم في نشر أحكام القضاء التجاري، وهي متاحة لكافة المهتمين على البوابة الإلكترونية، وسيتم نشر الأحكام التي تصدرها المحاكم التجارية بشكل دوري بما يحقق الشفافية.

أسباب تأخر التخصيص

  • بالرغم -معالي الوزير- من الجهود المبذولة، إلا أن هناك تساؤلات عدة حول أسباب تأخير تخصيص القضاء التجاري 11 عاماً، خصوصاً أن نظام القضاء الصادر عام 1428 نص على تأليف المحاكم التجارية.. فلماذا تأخر تخصيص القضاء التجاري كل هذه المدة؟
  • بالرغم من صدور آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم عام 19/9/1428هـ، إلا أن مذكرة الاتفاق على وثيقتي سلخ الدوائر الجزائية والدوائر التجارية التابعة لديوان المظالم إلى القضاء العام لم يتم التوقيع عليها إلا العام ما قبل الماضي، أي أن العمل الفعلي في إجراءات سلخ الدوائر التجارية من ديوان المظالم قد بدأ منذ عامين فقط، وبفضل من الله ثم بالدعم والاهتمام الكبيرين من خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- والمتابعة المباشرة من سمو ولي عهده الأمين -وفقه الله- توجت تلك الجهود بالنجاح وتم افتتاح المحاكم التجارية ومباشرة اختصاصاتها مع بداية العام الجاري، حيث بُذلت جهود كبيرة من فرق العمل المكلفة لإنجاح عملية السلخ، وذللت الكثير من التحديات والعقبات لضمان نقل القضاء التجاري بكفاءة دون أن يتم الإخلال بسير العمل في القضايا المنظورة، وتهيئة المقار ومعاوني القضاة وتأهيلهم، وقد كان العمل بعد توقيع وثيقتي السلخ على قدم وساق لاستيفاء كافة المتطلبات لتحقيق الغاية المتوخاة من تخصيص المحاكم التجارية، ومن أهم ما يشار إليه مما تم خلال تلك الفترة: إصدار تعديلات نظام المرافعات الشرعية والمتضمنة لاختصاصات المحكمة التجارية وإجراءاتها، وإصدار اللوائح التنفيذية للنظام، وتهيئة مقار المحاكم والدوائر التجارية، وتهيئة القضاة في دوائر الاستئناف التجارية، والقضاة في المحاكم والدوائر التجارية في درجتها الابتدائية، وكذلك تهيئة القضاة في المحاكم والدوائر التجارية في درجتيها الابتدائية، مع تخصيص عدد كاف من القضاة الذين يعينون ابتداءً وعدد كاف من القضاء العاملين حالياً للعمل في هذه المحاكم عن مباشرتها اختصاصاتها، واستكمال تطوير إجراءات العمل وبما يتوافق مع أحدث التطبيقات والتجارب الدولية في تسوية المنازعات التجارية، واستكمال الخدمات الإلكترونية للمحكمة التجارية، وتهيئة أعوان القضاة وبالأعداد الكافية، واستكمال الإجراءات الإدارية اللازمة لعملية السلخ مثل نقل الأوراق وملفات الدعاوى والسجلات وأرشيف الدوائر التجارية، إضافة إلى استكمال نشر الأحكام.

سرعة الفصل في القضايا

  • أشرتم في سياق حديثكم أن هناك تخصيصاً للإجراءات المتعلقة بالمحاكم التجارية لما يتطلبه هذا النوع من القضاء من سرعة الفصل فيه وتوحيد إجراءاته.. ما هي أهم وأبرز توجهات ومبادرات وزارة العدل التي ستدعم القضاء التجاري؟
  • مسألة سرعة الفصل في القضايا هي من أهم الأهداف الإستراتيجية لوزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، سواءً كان ذلك على مستوى القضايا التجارية أم مختلف القضايا بشكل عام كقضايا الأحوال الشخصية، وغيرها من القضايا ذات الطابع المستعجل لتحقيق مصلحة، أو رفع ضرر، وإن كانت المحاكم التجارية لما تتطلبه طبيعتها توجب سرعة الفصل فيها، ووزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء حريصان على تحقيق سرعة الفصل في القضايا التجارية من خلال زيادة أعداد القضاة ومعاونيهم، واستحداث دورات خاصة في مركز التدريب العدلي متعلقة بهذا النوع من القضاء، وتكثيف هذه الدورات، وهناك مبادرات مهمة نحو تعزيز منظومة القضاء التجاري، وجعله أنموذجاً يحتذى به في تبسيط الإجراءات وسرعة إصدار الأحكام، وتنفيذها، وسيتم الإعلان عن ذلك في حينه بإذن الله.

محاكم بلا ورق..!

أكد د. الصمعاني في معرض حديثه أنه فيما يتعلق بجانب إنفاذ الحكم القضائي، فوزارة العدل تنظر لقضاء التنفيذ على أنه خدمة بإشراف قضائي، وهو ما يقتضي المغايرة في الطبيعة والإجراءات عن القضاء الموضوعي وهذا يستلزم السرعة والفاعلية والتحول الإلكتروني الكامل، ففي حين كانت طلبات التنفيذ التي تنتهي في أقل من أسبوعين لا تتجاوز 1 % من إجمالي الطلبات، الآن طلبات التنفيذ التي تنتهي خلال فترة أقل من أسبوعين تجاوزت 30 % من خلال عدد من المبادرات والمشروعات من ضمنها محكمة بلا ورق، والربط الإلكتروني مع عديد من الجهات، من أبرزها وزارة الداخلية، ووزارة التجارة، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وكانت الطلبات تعالج ورقياً خلال 60 يوماً تقريباً، الآن يتم المعالجة واتخاذ الإجراء اللازم إلكترونياً وفورياً.

مشروعات جديدة تدعم سرعة وفاعلية «قضاء التنفيذ»

قال وزير العدل: إن لديهم مشروعات عدة يجري العمل على إطلاقها تدعم من سرعة وفاعلية قضاء التنفيذ بإذن الله من ضمنها السداد الإلكتروني الكامل للأحكام والسندات التنفيذية، إضافة إلى تفعيل منصة خاصة بقضاء التنفيذ، تكون على شكل تفاعلي وتخدم المستفيد بحيث يتم الانتهاء من إجمالي الطلبات خلال وقت وجيز، موضحاً أن الوزارة تنظر إلى أن قضاء التنفيذ هو القضاء الذي يفعل حجية العقود والالتزامات الشرعية والقانونية من خلال إعطائها صفة القوة التنفيذية كي لا يضطر المواطن أو المستفيد الذي يحتج بظاهر العقد، سواء كان عقد إيجار عقار أو أي عقد وثق رسمياً، لا يضطر أن يذهب للقضاء الموضوعي، وإنما يتقدم مباشرة لقضاء التنفيذ وينفذ بشكل فوري، ومن يدعي خلاف ذلك هو الذي يذهب إلى القضاء.