تأتي استضافة المملكة لمجموعة العشرين G20 خلال العام 2020، بالتزامن مع برنامج التحول الوطني 2020، ورؤية المملكة 2030، تتويجاً لدور البلاد الفاعل في العالم، من حيث قوتها الاقتصادية ومشاركاتها الدائمة والمثمرة في قمم العشرين خلال الأعوام الماضية.

وجاءت موافقة الدول الأعضاء على استضافة المملكة للقمة، نتيجة الجهود الكبيرة التي قادها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، بالتواصل مع دول المجموعة لتأييد طلبها باستضافة اجتماعات قمة قادة مجموعة العشرين في عام 2020، خلال قمة مجموعة العشرين التي استضافتها مدينة هامبورج الألمانية مؤخراً، إلى جانب كون المملكة دولة فاعلة في مجموعة العشرين التي تشكّل دولها ما يقرب من ثلثي سكان العالم، وأكثر من أربعة أخماس الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وثلاثة أرباع التجارة العالمية، كما يعُد دخول المملكة عضوًا في هذه المجموعة اعترافاً بأهميتها الاقتصادية ليس في الوقت الحاضر فحسب، وإنما في المستقبل أيضاً.

الثقل السياسي والاقتصادي

قال محمد آل صقر -رجل الأعمال عضو مجالس الأعمال بمجلس الغرف السعودية-،: إن المملكة لديها ثقلاً سياسياً واقتصادياً وقدرة على استضافة كافة الاجتماعات العالمية، والتي جاءت نتيجة الخبرات التي امتازت بها على مدى العصور الماضية والحالية، والتي من أهمها إدارتها لملايين الحجاج والمعتمرين في مكة المكرمة والمدينة المنورة سنوياً بكل يسر وسهولة، إلى جانب تحقيقها نجاحاً هائلاً في استضافة قمم الرياض حينما احتضنت مؤخراً قياديين من أكثر من 50 دولة مؤثرة عالمياً واقتصادياً.

وأضاف أن المملكة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والنمو في الاقتصاد العالمي، نتيجة التغيرات التي تعج بها المنطقة خصوصاً الشرق الأوسط وبقاء المملكة على صدارتها في إنتاج النفط رغم كثرة الأزمات التي تلازم دول المنطقة، حتى لا يتأثر العالم بفقدان تدفق الطاقة التي يستفيد منها ملايين البشر في شتى البقاع، مشيراً إلى أن الأرقام تشير لمتانة المركز المالي للمملكة في ظل ارتفاع حجم الاحتياطات المالية، وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات العشر الماضية، حيث يمثل (50 %) من اقتصاد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويشكل ثالث أكبر احتياطي للعملة في العالم نتيجة للسياسات النقدية التي تنتهجها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- مما أسهمت في تعزيز الاستقرار النقدي والمالي.

سوق الاستثمارت الآمن

وأشار آل صقر إلى أن للسياسات الاقتصادية ودعم الاقتصاد وقطاع الأعمال السعودي أبلغ الأثر في جعل المملكة -بفضل الله – دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي، وسوقًا آمنًا للاستثمارات من مختلف دول العالم، وشريكًا مهمًا في اجتماعات قمة العشرين، بجانب ما تتمتع به من مكانة وثقل مؤثر على الاقتصاد العالمي، ولمواقفها المعتدلة وقراراتها الاقتصادية الرشيدة التي تبنتها خلال سنوات التنمية الشاملة، إضافة إلى النمو المتوازن للنظام المصرفي السعودي، لافتاً إلى أن المملكة لها ثقلاً اقتصادياً عالمياً كونها تعد أكبر منتح للنفط في الشرق الأوسط، والدولة المؤثرة في منظمة أوبك، إضافة إلى أن لديها اقتصاداً قوياً، واستثمارات خارجية كبيرة، ودوراً بارزاً وأساسياً في تحفيز الاقتصاد العالمي.

وأوضح أن القمة المنتظرة في الرياض، تاتي بالتزامن مع انطلاق عدد من المشروعات التنموية التي تشهدها المملكة على الصعيد الاقتصادي والسياحي والاجتماعي والرياضي، والتي كان آخرها الإعلان عن مشرع البحر الأحمر السياحي الذي أطلقه ولي العهد حفظه الله والذي يهدف إلى استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية بقيادة صندوق الاستثمارات العامة مما يدعم فرص النمو الاقتصادي للمملكة ويعزز من حضورها القوي على مستوى العالم لاسيما وأنها ضمن أقوى 20 اقتصاداً عالمياً، مشيراً إلى أن المشروع العملاق سيضع المملكة على خريطة السياحة العالمية الشاطئية والثقافية والسياحة الدينية والتراثية.

الرؤية العالمية

بدوره أوضح أحمد الشهري -المستشار الاقتصادي-، أن تشكيل السياسات الاقتصادية العالمية يتطلب مشاركة الاقتصاديات الكبرى، والمملكة من أهم صانعي سياسات الطاقة في العالم بالإضافة إلى الثقة العالمية في السياسة السعودية، وقد أثبتت الأزمات العالمية أن المملكة طرف يمكن الوثوق بقراراتها الاقتصادية والسياسية واستضافة المملكة لقمة مجموعة العشرين انعكاس للواقع الذي يشكله الاقتصاد السعودي، مشيراً إلى أن المملكة منسجمة مع الرؤية العالمية ومشتركة في تحقيق الازدهار العالمي بما في ذلك منع أي صدمات في القطاع المالي والذي قد يؤثر على اقتصاديات العالم ضمن دورها كإحدى مجموعة العشرين.

وبيّن أن مجتمعات دول مجموعة دول العشرين تسعى إلى تحقيق قرارات صحيحة تضمن استدامة النمو، وأن المملكة من الدول التي وضعت رؤيتها 2030 أمام العالم وتسعى لتحقيق تلك الغايات الاقتصادية والاجتماعية، مضيفاً أن وجود القمة على أرض المملكة يؤكد دورها البارز في القضايا العالمية، وأن قمة العشرين لا تناقش القضايا الاقتصادية بشكل منفرد بل جميع القضايا الاجتماعية والإرهاب، والمملكة رائدة في محاربة الإرهاب وتعقب الإرهابيين عبر أساليب لم تكن معروفة عالمياً.

تجمع الدول الصناعية

وكانت مجموعة العشرين قد أنشئت عام 1999م بمبادرة من قمة مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة بهدف تعزيز الحوار البنّاء بين هذه الدول، كما جاء إنشاء المجموعة بسبب الأزمات المالية في التسعينيات، فكان من الضروري العمل على تنسيق السياسات المالية والنقدية في أهم الاقتصادات العالمية والتصدّي للتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، كما كان تأسيسها اعترافًا بتصاعد أهمية وتعاظم أدوار الدول الصاعدة في الاقتصاد والسياسات العالمية وضرورة إشراكها في صنع القرارات الاقتصادية الدولية.

وتمثل مجموعة العشرين الاقتصادية”الدول الصناعية وغيرها من الدول المؤثرة والفاعلة في الاقتصاديات العالمية” 90 % من إجمالي الناتج القومي لدول العالم، و80 % من حجم التجارة العالمية، إضافة إلى أنها تمثل ثلثي سكان العالم، حيث تضم مجموعة العشرين كلاً من: المملكة، والأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، ثم الاتحاد الأوروبي المكمل لمجموعة العشرين، إلى جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

أهمية المجموعة

وتأتي أهمية هذه المجموعة ليس على المستوى الاقتصادي والتعاون فيما بينها فحسب بل كونها تمثل ثلثي سكان العالم، أي غالبية الدول وبالتالي، فإن النتائج لاجتماعات مجموعة العشرين سيكون لها نتائج إيجابية حاضرًا ومستقبلًا كونها أيضًا لا تتوقف على الجانب الاقتصادي بل والجوانب الأخرى السياسية والاجتماعية، كون الاقتصاد هو المحرك الرئيس للسياسة التي قد تنعكس سلبًا أو إيجابًا على الحياة الاجتماعية للشعوب.

وسجّل دخول المملكة كعضو في أكبر مجموعة اقتصادية في العالم اعترافًا بأهمية المملكة الاقتصادية ليس في الوقت الحاضر فقط، إنما في المستقبل أيضًا، وتعطي العضوية في هذه المجموعة للمملكة قوة ونفوذًا سياسيًا واقتصاديًا ومعنويًا كبيرًا يجعلها طرفًا مؤثرًا في صنع السياسات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في اقتصاد المملكة واقتصادات دول المنطقة.

وجاءت عضوية المملكة في مجموعة العشرين نتيجةً لارتفاع أهميتها كمصدر ومسعر للطاقة العالمية التي تهمّ جميع دول العالم، ولارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثير ذلك على دول العالم، كما جاءت نتيجة لارتفاع مواردها المالية، التي من المتوقع أن تزداد في المستقبل، وتزيد من أهمية المملكة في الاقتصاد العالمي، ولهذا فإن السياسات المالية التي تتخذها المملكة لا تؤثر في اقتصاده فقط، إنما لها تأثير واضح وواسع في المستوى العالمي، حيث تؤثر في نشاط الاقتصاد العالمي من خلال تأثيرها في التجارة العالمية ومن خلال التحويلات إلى الخارج وسياسة الاستثمار في الأوراق المالية العالمية.

تأثير المملكة الاقتصادي

وأسهم توسّع دائرة تأثيرات الدور الاقتصادي السعودي في المنطقة في تصنيف المملكة من بين أفضل اقتصادات العالم الناشئة جنبًا إلى جنب مع دول صاعدة كبرى كالصين والهند وتركيا، وسط ما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي مهول في منطقة الخليج والشرق الأوسط والبلدان العربية.

ومن النتائج الإيجابية لعضوية المملكة في هذه المجموعة توفير قنوات اتصال دورية بكبار صُناع السياسات المالية والاقتصادية العالمية، ما يُعزز التعاون الثنائي مع الدول الرئيسة المهمة في العالم، كما رفعت عضوية المملكة في هذه المجموعة من أهمية توفير مزيد من الشفافية والمعلومات والبيانات المالية والاقتصادية المتعلقة بالمملكة أسوة بدول العالم المتقدّم، ومن المتوقع أن تؤدي عضوية المملكة في المجموعة إلى تنسيق وإصلاح بعض السياسات في عدد كبير من المجالات المالية والاقتصادية، ما سيدفع إلى مزيد من التطوير للقطاعات المالية والاقتصادية ويصب في نهاية المطاف في مصلحة المملكة واقتصادها.

وتتويجًا لما تملكه المملكة من إمكانات اقتصادية عالمية أنشأت العديد من المدن الاقتصادية، كما شرعت بإنشاء مشروع مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض على مساحة تبلغ مليونًا وستمئة ألف متر مربع حيث يُعدّ المركز من أحد المراكز المالية الرئيسية في العالم لوجوده بأحد أكبر اقتصاديات المنطقة وهو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحجم والتنظيم والمواصفات التقنية والتجهيز، بالرضافة إلى العديد من المشروعات التنموية التي تشهدها المملكة في مختلف المجالات الاقتصادية والتي تتوافق مع رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020.

قمة هامبورغ

تجدر الإشارة إلى أن آخر مشاركة للمملكة في “قمة العشرين” كانت في السابع من يوليو 2017، في ألمانيا، ورأس وفد المملكة -نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله- وزيرُ الدولة عضو مجلس الوزراء د. إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، وأعربت حينها المملكة عن ترحيبها بالعمل الذي تم إنجازه خلال الرئاسة الألمانية لقمة قادة مجموعة العشرين في إطار جدول أعمال التنمية المستدامة 2030، داعية الدول إلى الاضطلاع بمسؤولياتها لضمان التنفيذ الفاعل، ومساعدة الدول النامية والأقل نموًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومواجهة التحديات المتعددة التي تعتريها، كما رحبت المملكة بإطلاق مبادرة ميثاق مجموعة العشرين مع أفريقيا، وأكدت على الدور الفاعل للدول الأفريقية والمنظمات والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية في التنفيذ، مبينة أن التزام دول المجموعة بالشراكة مع أفريقيا يعد داعماً أساسيًا ومحوريًا للتنمية المستدامة.

وقال العساف: “إن المملكة لديها علاقة قوية وقديمة مع أفريقيا في مختلف الجوانب الاقتصادية والتنموية، وأسسنا في سبعينيات القرن الماضي مؤسسات مالية إما لتمويل التنمية في أفريقيا أو تركز على أفريقيا بشكل خاص مثل الصندوق السعودي للتنمية، والمصرف العربي للتنمية في أفريقيا، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق أوبك، وقبل أيام أعلنت المملكة عن استضافتها لقمة سعودية – أفريقية في الرياض خلال الأشهر المقبلة.

وشدد على أن المملكة تدعم جهود منظمة الصحة العالمية للتصدي للمخاطر الصحية وتفشي الأمراض، متطلعاً إلى سرعة الانتهاء من إصلاحاتها المتعلقة بإدارة الطوارئ الصحية، وتوفير الدعم المالي للمنظمة لتمضي في مسيرتها الإنسانية، ودعا باسم المملكة إلى زيادة التنسيق الدولي لتبادل المعرفة والتعاون في مجال البحوث والتطوير، كما دعا الأمم المتحدة لوضع الصحة العالمية ومكافحة الأوبئة ضمن أولوياتها، والسعي لتعزيز النظم الصحية في جميع أنحاء العالم، ودعم الدور المحوري لمنظمة الصحة العالمية.