دعا المشاركون في جلسة (أثر عقد الزوجية على ملكية الزوجين) ضمن جلسات مؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي بالمدينة المنورة إلى إبعاد عقود الزواج عن الطبيعة المالية التي تقوم عليها نظم المشاركة بين الزوجين، مؤكدًا على أنه يمكن إنشاء شركة بين الزوجين في حالة استقلال الذمة المالية لهما، مشددين على ضرورة توثيق ما يتم الاتفاق عليه لدى كتاب العدل في المحاكم الشرعية.

عادات جاهلية

في البداية أكد مفتي الجمهورية التونسية الشيخ عثمان بطيخ على ضرورة التمسك بما قرره الإسلام من خلال كتاب الله عز وجل وسنّة رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- من المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، وأن الحقوق المالية للمرأة وهي حرة في تصرفها الكامل ما دامت رشيدة وليس لأي كان أن يتصرف نيابة عنها أو أن يعتدي على حقوقها الطبيعية.

حرمة الاعتداء

وقال الشيخ بطيخ خلال مشاركته بورقة علمية خلال المؤتمر إنه يحرم الاعتداء على حقوق المرأة خاصة المالية منها والمدنية، مشيرًا إلى مسؤولية الإعلام الديني وغيره في توعية المسلمين بهذه الحقوق حتى تزول ثقافة العادات والتقاليد الجاهلية التي ما زالت راسخة في أذهان الكثير من المجتمعات الإسلامية.

المشاركة في المصروفات

من جهته دعا رئيس المجلس العلمي لكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر د. كمال بوزيدي بمشاركة الزوج والزوجة في المصروفات معًا لما في ذلك من تعاون، شأنه إنجاح الأمور الإدارية في الأسرة والمحافظة على الرباط المقدس الذي هو أعظم من النقود والمصاريف. مشيرًا إلى أن من أبرز أسباب المشكلات المتعلقة بالذمة المالية بعد الزواج هي: إهمال العلاقة بين الزوجين، والحب الأعمى، وأن تكون الزوجة هي المعيلة، والغيرة من الأسر الأخرى، وعدم القدرة على التواصل المفتوح بين الزوجين.

حرمة فرض الاقتسام

في حين قال أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر د. عبدالله النجار: إنه إذا تراضى الزوجان فيما بينهما على اقتسام أموالهما عن طيب نفس منهما فإنه لا مانع شرعًا من ذلك، كما لا يجوز فرض الاقتسام عليهما بالتشريع الملزم، مضيفًا أن ما يملكه كل من الزوجين بسبب عقد النكاح أو من دونه يعد ملكًا خالصًا لكل منهما وينتقل من بعده إلى ورثته.

الذمة المالية المستقلة

وبين أن عقد الزواج يعد فاتحة خير للزوجين وسببًا لثراء ذمتهما المالية المستقلة لكل منهما، وفقًا لما قرره الشارع الحكيم لكل مكلف ذكرًا كان أو أنثى، حيث يترتب على هذا العقد ملكية الزوجين لما يتقرر لهما من حقوق بسببه، وذلك مثل هدايا الخطبة وما يقدمه كل من الزوجين للآخر قبل إبرام العقد أو بعد إبرام العقد كالمهر والمبالغ التي تستحقها نفقة تغنيها في كافة شؤون حياتها، وبعد انتهاء العقد بوفاة أحد الزوجين يرثه الآخر، ويتملك عنه بسبب الميراث قدرًا من المال يختلف مقداره بحسب حالات ميراث كل من الزوجين ووصية كل منهما للآخر.

المشاركة والعرف

أكد عضو هيئة تدريس جامعة طرابلس بليبيا د. حمزة أبو فارس على أن الإسلام جعل لكل من الرجل والمرأة ذمة مالية مستقلة يتصرف فيما يملكه كما يشاء في حدود أوامر الشارع ونواهيه، لافتا إلى أن للزوجين المشاركة بماليهما في المشروعات الاستثمارية التي أباحها الشارع من بيع وشراء وشركة ومضاربة، وتأخذ الزوجة نصيبًا بحسب إسهامها، مضيفًا أنه إذا أسهمت في تنمية ماله الخارجي من زراعة وتجارة وصناعة ولم يتفقا على المشاركة في الربح، فإنه يرجع في ذلك إلى العرف.

الإكراه الحقيقي والمعنوي

كما بين مدير إدارة الإفتاء عضو هيئة كبار العلماء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي د. أحمد الحداد أن الحقوق الزوجية نوعان، الأولى معنوية لتحقيق الحياة الزوجية المستقرة وهي آية من آيات الله تعالى في كونه، على كل من الزوجين بذلها، طاعة لله تعالى وتحقيقًا للاستقرار والتمتع بزينة الحياة الدنيا وملذاتها، والثانية مادية تتعلق بالذمة المالية المستقلة لكل من الزوجين، وعلى كل واحد منهما أن يحترم الآخر في حقوقه المادية، التي اكتسبها بالطرق المشروعة من سائر وجوه المكاسب، فليس للزوج شيء فيما تملكه الزوجة إلا ما تطيب نفسها به، من غير استحياء ولا إكراه حقيقي أو معنوي، وليس للزوجة شيء في مال زوجها إلا ما يقتضيه عقد النكاح من مهر ونفقة ومتعة، وأن على الزوج بذل هذه الحقوق بالمعروف، فإن لم يبذلها بالمعروف، فبالصلح أو القضاء بالعدل في ضوء الشريعة الإسلامية الغراء.

التوثيق

من جانبه طالب عضو المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) د. محمد شبير بإبعاد عقود الزواج عن الطبيعة المالية التي تقوم عليها نظم المشاركة بين الزوجين ، مؤكدًا على أنه يمكن إنشاء شركة بين الزوجين أو أعمال في حالة استقلال الذمة المالية للزوجين، مشددًا على ضرورة توثيق ما يتم الاتفاق عليه بين الزوجين لدى كاتب العدل في المحاكم الشرعية، والابتعاد عن استنساخ القوانين الوضعية التي تتصادم مع النصوص الشرعية.

الملكية المشتركة

فيما حذر أستاذ الفقه الإسلامي والدراسات العليا عميد كلية الشريعة بجامعة الشارقة سابقًا د. محمد الزحيلي من التشبه بغير المسلمين في الحياة الزوجية، وفي اقتباس الأحكام والآثار التي تقرها الأنظمة والقوانين المخالفة للشريعة، ومنها: افتراض ملكية مشتركة، وتطلّع أحد الزوجين لمال الآخر في حياته، وبعد مماته، ويجب على كل من الزوجين الرضا والقبول بما قرّره الشرع والوقوف عنده. داعيًا العلماء والمسؤولين في البلاد الإسلامية وغيرها أن ينفتحوا على المستجدات والقضايا الطارئة، ويجتهدوا فيها، ويستفيدوا من جميع المذاهب الفقهية المعتبرة، وأن يوجدوا حلولاً وأحكامًا لكل ما يجري في الحياة، حتى خارج بلاد الإسلام، وخاصة للجاليات المسلمة، موصيًا الزوجين بالإخلاص لكل منهما والصراحة الكاملة والاتفاق الكامل في حياتهما الزوجية وخاصة عند عمل المرأة وكسبها وبالأخص عند الشراكة المالية بينهما وهذا يصون الحياة الزوجية ويحقق السعادة، ويضمن التفاهم والبعد عن الاختلاف في المستقبل.

ذمة المرأة

وأفاد عضو هيئة تدريس جامعة اليرموك بالأردن د. محمد القضاة أن الإسلام أكد على ذمة المرأة المالية وأنها حرة التصرف في الأموال التي تملكها بالوسائل المشروعة ضمن الضوابط الشرعية والأخلاقية، مشيرًا إلى أن للمرأة الزوجة عن طيب نفس منها أن تسهم في نفقات منزل الزوجية دون ضغط أو إكراه، وهذا يدل على مدى احترام الإسلام لإرادتها وإنسانيتها. مضيفًا أن الحياة الزوجية قائمة على المودة والمحبة، ومن الملائم أن يكون التفاهم بين الزوجين حول نظام الأموال المكتسبة بينهما دون ظلم أو إجحاف طرف على آخر.

منع النفقة

في حين قالت أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الملك عبد العزيز بجدة د. إلهام عبدالله باجنيد: إن الفقهاء اتفقوا على أن من حق الزوج منع زوجته من كل عملٍ يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره فإن منعها فلم تمتنع كانت ناشزًا يحق للزوج منعها نفقتها، مضيفة أنه إذا كان بإذنه، أو على وجهٍ لا يلحق ضررًا بالزوج أو الأسرة لم تكن ناشزًا؛ لأنها فوتت حق الزوج بإذنه ورضاه. مشددة على أن المرأة إذا عملت بإذن الزوج فإنه لا يحق له منعها؛ لما يترتب على منعها بعد التزامها من أضرار تلحقها أو تلحق رب العمل وليس له منعها نفقتها أيضًا كما أن أجرة عملها تكون لها لا يحق للزوج أخذها، أو الأخذ منها دون رضاها.

الإنفاق على مسكن الزوجية

فيما قال باحثان: إنه ليس للزوج إجبار زوجته على العمل خارج مسكن الزوجية أو امتهان مهنة تتكسب منها أو أن تساهم بكسبها في الإنفاق على مسكن الزوجية ومن فيه أو إدارة ماله أو تنميته أو العمل فيه.

وذكر د. عبدالفتاح محمود إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر و د. ماجدة محمود هزاع أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر في بحث مشترك بعنوان: (أثر عقد الزوجية على ملكية الزوجين)، أن للمرأة أن تشارك زوجها في كسب المال، ويكون ما كسبت منه ملكًا خاصًا بها ولها أن تشاركه بمالها المنقول أو العقار وأن يكون لها حق إدارته وتنميته والتصرف فيه وفق قواعد الشركة.