ابعاد الخفجى-محليات:مسؤول واعٍ بحجم التغيّرات والمغريات التي يمر بها المجتمع، ومدرك لعوامل التأثير والتحديث التي يشهدها أفراده، ومؤسساته، وماضٍ بثبات المنهج الرباني، وقدوة سيد الخلق، واقتفاء أثر الصالحين، ومستعين بالله، ثم بدعم من ولاه مسؤولية أن يأمر بالمعروف بالمعروف وينهي عن المنكر بلا منكر، ومتطلع إلى مدّ جسور التعاون مع المجتمع، وخط منهج الاعتدال سلوكاً في الميدان، وإجراءاً وقائياً يعزز من النصيحة والتعهد عند الحاجة، مع الحزم والتصدي للجرائم والظواهر المسيئة للمجتمع.
الرجل القيادي معالي الشيخ “د. عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ” -الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- يؤسس لمرحلة جديدة من عمل “الهيئة” بعد سنوات اجتهد فيها من اجتهد ممن سبقوه، ولكن يبقى هو الفارق حينما يصنع التغيير ويحافظ على الثوابت، ويستقوي بالنظام ويستمر في تطويره، ويحضّر الفكر قبل التفكير، ويراهن على الوعي في تصحيح الصورة، ويمد يده ليصافح من اختلف معه؛ ليسامحه..
الرجل الذي يقرر ويتحمل المسؤولية، ويصرّ على أن “الحكمة” هي سبيل الدعوة، والنجاح لا يتحقق من دون إنجاز يترك أثراً للتغيير وليس شاهداً فقط على التطوير.. رجل لم يكتف أن يكره المنكر بقلبه، أو يمنعه بلسانه، أو يغيّره بيده، ولكنه أخذ من ذلك منهج “التدرج” الذي ترك ما في القلب للقلب، واللسان بالنصح والتوجيه، واليد لمن فضّل أن يكون الطريق إليه ب”قوة النظام”. معالي الشيخ “د. عبداللطيف آل الشيخ” متحدثاً في “ندوة الثلاثاء”.
في البداية قال الشيخ “د. عبداللطيف آل الشيخ”: إن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الشعائر وأهمها في الإسلام، بل عدّها علماء معروفون ومشهورون ركناً من أركانه؛ لما لها من أثر في تحصين المجتمع، ونشر الخير والفضيلة في الأمة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرجَتْ للنَّاس تَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوف وَتَنْهَوْنَ عَن الْمُنكَر وَتُؤْمنُونَ باللّه)، وتوجيه أفراد المجتمع إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة (وَالْمُؤْمنُونَ وَالْمُؤْمنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْليَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوف وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنكَر وَيُقيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إنَّ اللّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ)، مبيناً أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة أمر الله بها سبحانه وتعالى المسلمين وخص بها من تكون له ولاية -سواءً ولاية خاصة أو ولاية عامة، مؤكداً على أن الولاية التي يقصدها هو أن الإنسان قد يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في منزله، من خلال توجيه أطفاله أو أسرته أو جيرانه أو حتى زملاءه، مبيناً أن ذلك يحقق للمجتمع شيئاً من التعاون والتعاضد بالحسنى (يَا بُنَيَّ أَقم الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بالْمَعْرُوف وَانْهَ عَن الْمُنْكَر وَاصْبرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلكَ منْ عَزْم الْأُمُور).
وأضاف: لقد خص الله سبحانه وتعالى فئة من المسلمين أن يكون عليها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “فرض عين”، وهم من ولاّهم ولي الأمر هذه السلطة، على أن يؤدوها بما يرضي الله سبحانه وتعالى، وفق منهج نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم (ادْعُ إلَى سَبيل رَبّكَ بالْحكْمَة وَالْمَوْعظَة الْحَسَنَة وَجَادلْهُمْ بالَّتي هيَ أَحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبيله وَهُوَ أَعْلَمُ بالْمُهْتَدينَ)، ملتزماً بأركان الحسبة، والواجبات والمهام التي تنظم هذه المسؤولية الكبيرة، والتعليمات التي تضبط العمل؛ لأن من وُلّي ولاية يجب ألاّ يتجاوزها بأي حال من الأحوال، بل عليه أن يعمل وفق ما وُلّي إياه من قبل ولي أمر المسلمين الحاكم الأعلى للدولة.
واستعرض “د. آل الشيخ” جانباً من تاريخ الحسبة في المملكة، وقال: حينما دخل الملك عبدالعزيز -رحمه الله-مدينة الرياض كان يعمل بالحسبة أفراد من أهالي الرياض والمدن الأخرى والقرى بصفتهم متطوعين، مضيفاً أن ما يدل على بُعد نظر الملك عبدالعزيز وسياسته -التي كان لها الأثر البالغ في توطيد الأمن والاستقرار وتوحيد هذا الوطن المترامي الأطراف-؛ أن جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يخص فئة من أبناء الوطن، وينتظمون تحت السلك الوظيفي للدولة، ويرتبطون بمقام الملك شخصياً، بل وحدّد أجراً للعاملين فيها؛ حرصاً على عدم وجود الأخطاء، وألاّ تكون فتنة باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أشخاص غير مؤهلين لهذه المهمة، أو استغلال لهذه الوظيفة المعتبرة شرعاً فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، مما قد يوجد الضغائن والفرقة بين الناس، مؤكداً على أن الدولة المباركة استمرت في دعم هذا الجهاز وتطويره حتى وصلنا إلى هذا العهد المبارك عهد الملك الصالح والإمام العادل الملك عبدالله بن عبدالعزيز -متعه الله بالصحة والعافية-، وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز -وفقه الله تعالى-.
وأشار إلى أن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أُسّس من أجل القيام بواجبه الشرعي وفق منهج محمد صلى الله عليه وسلم، ملتزم بأوامر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، مؤكداً على أن الجهاز أصبح -كما ترون- بإمكاناته وقدراته وأعداد موظفيه يُحسب من مؤسسات الدولة المهمة، ويرتبط بالملك مباشرة، ورئيسه بمرتبة وزير، ومكونات رئاسته مثل مكونات أي وزارة أخرى من وكلاء ومديري عموم وتنظيم إداري ومالي، وكذلك مساءلة فيما يطرأ من نقص أو خلل من جهات أخرى.
وعن السياسات العامة في التوجيه وبناء المواقف لجهاز الهيئة، قال معاليه: “منذ أن شرفني خادم الحرمين الشريفين بثقته الكبيرة وكلفني بقيادة هذا الجهاز المهم، وأنا أعمل على ترسيخ مبدأ رفعته منذ أن توليت هذا المرفق الحساس جداً: (الأمر بالمعروف بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر)، وقد تحقق بفضل الله الشيء الكثير من ذلك، ولعلكم تلامسون التطور الايجابي في الأعمال الميدانية والإدارية، وعلى وجه الخصوص الأعمال الميدانية، حيث بادرت بمنع ما يُسمى ب”المتعاونين”، وعدم دخولهم في سلك الهيئة وفروعها، أما من يصلح للوظيفة ويستطيع أن يؤدي واجبه عليه أن ينتظم في سلك الدولة، ويلتزم بحدود صلاحياتها، موضحاً أن هناك أصداء إيجابية في علاقة الهيئة مع المجتمع، حيث تُعد هذه العلاقة المتجددة ثمرة الشعار الذي رفعناه، وهذا بفضل الله أولاً، ثم بفضل التوجيهات المستمرة من قبل خادم الحرمين الشريفين، والمساءلة المستمرة، والحرص دائماً على أن يكون المواطن له احترامه وحقوقه الكاملة التي لا تُخدش إلاّ بسبب مقنع، وبعد أن يقع في أمر من الأمور التي تخالف ثابتاً من ثوابت الشرع المطهر”