انطلقت أمس الاثنين في فرنسا الحملة الممهدة للانتخابات التشريعية التي ستجري يومي الحادي عشر والثامن عشر من الشهر المقبل. وتُعَدُّ هذه الانتخابات أساسية بالنسبة إلى كل الأحزاب والفعاليات السياسية وفي مقدمتها حركة “الجمهورية إلى الأمام” التي أسسها في أبريل من العام الماضي الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون ولما يزل وزيراً للاقتصاد. وهو يعول كثيراً على هذه الانتخابات حتى تمنح حركته الأغلبية المطلقة في البرلمان المقبل أو على الأقل عدداً كبيراً من المقاعد التي تساعده على تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يجمع كل المحليين السياسيين على أن الأحزاب التي توالت على مقاليد السلطة طوال العقود الأربعة الماضية لم تتجرأ على وضع برامج مماثلة لذلك الذي وضعه إيمانويل ماكرون وأتاح له الفوز في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وقد قررت حركة “الجمهورية إلى الأمام” تقديم مرشحين عنها في 511 دائرة من الدوائر الانتخابية التي يبلغ عددها 577، وبين هؤلاء المرشحين 30 مرشحاً هم اليوم نواب منتهية ولايتهم، أما الباقون فهم مرشحون جدد ينتمي اثنان وخمسون في المئة منهم إلى المجتمع المدني. ومن بين هؤلاء المرشحين الجدد على سبيل المثال قاض يسمى إيريك هالفان، وكان من قبل متخصصاً في ملفات الفساد، وكان اسمه قد برز إلى السطح في تسعينات القرن الماضي عندما حقق في ملفات تورطت فيها شخصيات بارزة تنتمي إلى اليمين التقليدي منها جان تبيري عمدة باريس الأسبق. أما حزب “الجمهوريين” اليميني الذي مني بخسارة لم يسبق لها مثيل في الانتخابات الرئاسية الماضية، فإنه يأمل في التعويض عن هذه الخسارة من خلال الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية وبالتالي مشاركة الرئيس الحالي في ممارسة السلطة أو الحصول على الأقل على عدد مهم من المقاعد التي تسمح له بتقديم نفسه في المستقبل على أنه قاطرة أحزاب المعارضة اليمينية، ويبدو هذا الرهان صعباً جداً لعدة أسباب منها أن العادة جرت أن الناخبين الفرنسيين يصوتون بشكل مكثف للأحزاب الموالية للمرشح الذي يفوز في أعقاب الانتخابات الرئاسية حتى يسهلوا عليه تنفيذ برنامجه الانتخابي.

وأما اليمين المتشدد الذي تتزعمه مارين لوبان فإنه قدم مرشحين عنه في مختلف الدوائر الانتخابية ويأمل في أن يحقق اختراقاً في أعقاب الانتخابات التشريعية المقبلة، وقد ترشحت زعيمته للمرة الثالثة في إحدى الدوائر الانتخابية بشمال البلاد علماً أنها فشلت خلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2007 وعام 2012 في مسعاها لتكون نائبة، وكانت عمليات استطلاع الرأي تتوقع لهذا الحزب الحصول على عشرات المقاعد في مجلس النواب المقبل ولكن فشل رئيسته في أعقاب الانتخابات الرئاسية الماضية وفشلها في عدم التحالف مع تيارات وأحزاب سياسية أخرى في البلاد جعلا استطلاعات الرأي تراجع توقعاتها بشأن الاختراق الذي كانت مارين لوبان تتوقعه.

وإذا كان الحزب الاشتراكي يملك الأغلبية المطلقة في مجلس النواب المنتهية ولايته، فإن إقصاء بونوا هامون مرشحه إلى الانتخابات الرئاسية عن الدورة الثانية وحالة التشتت والضعف التي يبدو عليها اليوم عاملان مهمان يجعلان هذا الحزب غير قادر على أن يكون أحد الأحزاب التي سيكون لديها وزن في أعقاب الانتخابات التشريعية المقبلة لاسيما وأن جاك لوك ميلانشون زعيم حركة ” إلى الأمام ” المنتمية إلى أقصى اليسار والذي حصل على المرتبة الرابعة في أعقاب الدورة الانتخابية الرئاسية الأولى يطمح إلى أن يكون قاطرة المعارضة اليسارية بعد الانتخابات التشريعية المقبلة.