أكد مشاركون في ندوة (المدينة المنورة حضارة وتاريخ) على أهمية المحافظة على المعالم التاريخية بالمدينة المنورة، مع بذل النصح والتوجيه والإرشاد للتصدي للبدع والمنكرات. مشيرين إلى أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضعت اللبنات الأولى للدولة الاسلامية، والمفهوم الجديد لمعاني الانضباط وتطبيق النظام والتشريع.

جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها الجامعة الإسلامية بحضور مديرها د. حاتم المرزوقي وبالشراكة مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ، حيث تحدث د. إبراهيم المغيربي أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بأن كثيرا من آبار المدينة ارتبطت بأحكام وآثار تاريخية مرتبطة بالرسول عليه السلام، مشيرا إلى ضرورة المحافظة على الآثار، وقال: إن الآبار التي كانت موجودة في المدينة هي: اريس (الخاتم)، غرس، ذروان، القراصة، رومة، جاسوم، بضاعه، مرق، البصة، ايهاب، حاء، بني خطمه، العهن، جشم، السقيا، انا، ابي عنبة، الميشيرب، الميثب (الفقير)، عروة، عدق، فاطمة بنت الحسين (زمزم)، الهجيم، الروحاء، جمل.

وأضاف د. المغيربي في الورقة البحثية التي قدمها في الندوة، أن بعض هذه الآبار مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم وتوضأ واغتسل منها، ومنها ما كان يستقي له منها مثل بئر السقيا ورومه وغرس. مبينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم بجولات على الأنصار وعلى مزارعهم وكان يزورهم ويقيل عندهم ويأكل عندهم، وأن هذه الآبار جزء من السيرة النبوية أسانيدها منها الصحيح والحسن والضعيف.

وتابع بأن كل بئر من هذه الابار يحكي قصة أو حكما فقهيا ، مشيرا إلى أن بعض الآبار أزيلت وبقيت أحكامها مثل بئر بضاعة في الفقه الاسلامية وبئر غرس واريس ( الخاتم) والسقيا وبئر ابي عنبه لكي يعرف مواطنها. مؤكدا بأن كل هذه الآبار في عصر النبوة وقبلها باستثناء بئر عروة وبئر فاطمة بنت الحسين.

حضارة قرى طيبة

وقال د. محمد الشيباني أستاذ التاريخ الاسلامي في ورقه بعنوان: “حضارة وتاريخ قرى غرب المدينة في القرنين الأول والثاني الهجري “: أن تاريخ الأمة الإسلامية ركز بصورة كبيرة على الأحداث الحربية وأهمل الجانب الحضاري الذي يعتبر جانبا مهما كان يجب التركيز عليه، وأضاف: أن الحضارة شعت من طيبة الطيبة فنالت قراها من هذا النور الرباني الكثير وصارت لها حضارة وتاريخا يسجل في سجلات الكتب. مضيفا بأن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضعت اللبنات الأولى للدولة الاسلامية، والمفهوم الجديد لمعاني الانضباط وتطبيق النظام والتشريع ايذانا بولادة جديدة في مجتمع الجزيرة العربية عموما وفي الحجاز على وجه الخصوص.

وقال: إن القبائل المحيطة بالمدينة بدأت في جهتها الغربية مثل أسلم وغفار ومزينة وجهينة تتأثر بالإسلام وتتقاطر على المدينة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، وتصبح أحد مكونات جيش النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، ولقد استحقت إشادة النبي صلى الله عليه وسلم على حسن إسلامها وصدقها. لافتا إلى أنه قد نشأت قرى مهمة، استوطنها عدد كبير من سكان القبائل المجاورة لها بعد الفتوحات الإسلامية، ومن أهميتها عُيّن ولاة على هذه القرى من قبل أمراء المدينة، ويظهر من آثار تلك القرى وما حفظته كتب التاريخ والأدب مدى الرقي والتطور وسهولة وجمال معيشة أهل تلك القرى.

سبب الهجرة للمدينة

وقدم د. محمد عواجي أستاذ التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية بقسم التاريخ بالجامعة، ورقة بحثية عن فضل تاريخ المدينة. مبينا بأن هناك عوامل وأسباب جعلت من العلماء يذكرونها كأسباب لاختيار الله سبحانه وتعالى المدينة المنورة كموطن للهجرة، بعد قراءتهم للأحداث وتحليلها، ومن هذه الأسباب: أن الله تبارك وتعالى أراد الخير لأهل المدينة المنورة، ولأنها تقع بين حرار وجبال يصعب على العدو اختراقها، وأنها تقع على خط القوافل الذاهبة إلى الشام والعائدة منها، ولأنها أراض زراعية وبها عدة آبار، وكذلك لأنها محصنة بالآطام وهي الحصون، ومن الأسباب أيضا أنها بلد تجاري يكثر بها الأسواق مما يجعلها محط أنظار التجار من مختلف أنحاء الجزيرة العربية.

وتناول أستاذ التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية بقسم التاريخ بالجامعة الإسلامية سببا جديدا في اختيار المدينة المنورة موطنا لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن الأوس والخزرج ترجع أصولهم إلى اليمن وكان عندهم حس من الملك والذي كان سائدا عند أجدادهم في اليمن حتى أنهم بحثوا لهم على ملك منهم، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج لأن يقيم دولة في المدينة المنورة وهذه الدولة تحتاج إلى أنظمة وقوانين دينية ودنيوية، لذلك كانت الهجرة إلى المدينة المنورة لسهولة إقامة الدولة فيها لأن القوم كان عندهم حس من الملك من أسلافهم. مبينا بأن الهجرة لو كانت إلى قبيلة أخرى من العرب لكان تطبيق الشرائع والأنظمة فيها من الصعوبة الشيء الكثير لعدم معرفتهم بها لأنه لم يحكمهم قانونا أو دولة كتلك التي كانت في اليمن. مؤكدا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ملكا بل هو رسول الله بيد أنه قصد أن الأنظمة التي شرعها رسول الله واستمرت وتوسعت في عهد الخلافة الراشدة يمكن أن يطلق عليها دولة اصطلاحا ولا مشاحة في الاصطلاح.

“الغابة” شاهد تاريخي

كما تناول د. عبدالحميد فقيهي أستاذ التاريخ الاسلامي والسيرة بقسم التاريخ بالجامعة والمشرف على الشؤون العلمية بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، في ورقته خلال الندوة المعالم التاريخية وقصة بقائها، وبقاء قصة دين شامخ. مشيرا إلى أن شموخ الدين قصة عظيمة كفلها الله سبحانه وتعالى ففي كل حدث كان لبعض المواقع قصة ولكل قصة أثر في سيرة النبي صلى الله علية وسلم في غزوة أو صدقة أو عطاء أو عفو وتسامح. مستعرضا تفاصيل غزوة الغابة والتي تعد إحدى هذه الشواهد والتاريخ العاطر لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

افتتاح المعرض المصاحب

من جهة أخرى، افتتح مدير الجامعة الإسلامية د. حاتم بن حسن المرزوقي المعرض المصاحب لندوة المدينة المنورة حضارة وتاريخ، واطلع على عدد من الصور لحضارة المدينة المنورة ومعالمها وبعض تكويناتها الصخرية التي تميزت بها.