ارتفع سعر برميل النفط الخام (مزيج برنت) بنسبة 25.5 % في يناير 2018م مقارنة بشهر يناير 2017م ليصل إلى 69.7 دولاراً، وارتفع متوسط سعر أونصة الذهب بنسبة 11.7 % خلال نفس الفترة ليصل إلى 1331.7 دولاراً. وهناك عدة عوامل أدت إلى تحسن أسعار النفط والذهب أبرزها انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى، فوفقاً لـ «Bloomberg» انخفض مؤشر الدولار من 100.5 نهاية شهر يناير 2017م ليصل إلى 89.1 نقطة في نهاية شهر يناير 2018م، أي بنسبة انخفاض بلغت 11.3 %.

ويلاحظ من هذه التقلبات أن نسبة ارتفاع سعر الذهب خلال الفترة تعادل تقريباً نسبة انخفاض مؤشر الدولار، في حين أن نسبة ارتفاع أسعار النفط تعادل أكثر من ضعف نسبة انخفاض مؤشر الدولار. وهذه التطورات في أسعار الذهب والنفط تعني أن القيمة الحقيقة للنفط ارتفعت مقابل القيمة الحقيقية للذهب خلال العام 2017م، وهذا يؤدي إلى تعزيز اقتصاديات الدول المنتجة للنفط وأهمها المملكة العربية السعودية. وبالتالي فإن تقلبات أسعار الصرف وتطورات الاقتصاد العالمي قد عززت من الأداء الإيجابي للاقتصاد الوطني خلال العام 2017م.

وبمقارنة أسعار الذهب بالنفط، انخفضت قيمة أونصة الذهب مقابل كل برميل نفط من 21.5 برميل نفط لكل أونصة في يناير 2017م إلى 19.1 برميل لكل أونصة في يناير 2018م، أي بنسبة انخفاض بلغت 11.0 % (الجدول أدناه). وبلغ متوسط قيمة الذهب مقابل النفط خلال السبعة عقود الماضية نحو 15.1 برميل نفط خام مقابل أونصة الذهب. والرسم البياني أدناه يشير إلى المتوسط السنوي لقيمة الذهب مقابل النفط خلال الفترة من العام 1946م إلى 2018م (متوسط شهر يناير)، وأبرز النتائج المستخلصة من عملية المقارنة بين النفط والذهب خلال هذه الفترة تتمثل بالآتي:

أولا: النفط أغلى من الذهب خلال الفترة من العام 1948م وحتى 1971م، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي وافقت فيها الدول الموقعة على اتفاقية بريتون وودز (22 يولية عام 1944م) على الاحتفاظ بقيمة عملاتها في نطاق ضيق مقابل الدولار الأميركي ومعدل مساوٍ من الذهب، وقّيِّمت الأونصة من الذهب بـ 35 دولاراً. وقد تميزت تلك الفترة بارتفاع الإنتاج وانخفض معدلات التضخم في معظم دول العالم.

ثانياً: الذهب أغلى من النفط خلال الفترة من العام 1972م إلى 1975م، وهي الفترة التي تزامنت مع انهيار اتفاقية «بريتون وودز» في العام 1971م عندما تعذر استبدال الدولار الأمريكي بالذهب، فقد انخفض مخزون الولايات المتحدة من الذهب إلى 9070 طناً تمثل ما نسبته 24,8 في المئة من احتياطيات الذهب العالمية. وهنا بدأت قوى العرض والطلب تهيمن على أسواق الصرف، حيث أصبح الدولار الأميركي معوماً بالكامل وتتحدد قيمته وفقاً لتفاعلات قوى العرض والطلب، أما بقية العملات فقد تباينت سياسات أسعار صرفها بين التعويم وأسعار الصرف الثابتة.

ثالثاً: النفط أغلى من الذهب خلال الفترة من 1976م إلى 1985م، وهي الفترة التي تميزت بانتشار ظاهرة التضخم الركودي (انخفاض الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة المتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم) في معظم دول العالم.

رابعاً: الذهب أغلى من النفط خلال الفترة من 1986م إلى 1999م، وهي الفترة التي أعلنت فيها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – تخلي المملكة عن لعب دور المنتج المرن، حيث كانت السياسة النفطية التي تنتهجها المملكة في سعيها لتحقيق استقرار الأسعار حول السعر العادل للنفط تقوم على أساس خفض كميات إنتاج النفط في حال وجود فائض في السوق النفطية، والعكس في حال وجود عجز. واستمرت المملكة في هذه السياسة حتى انخفض إنتاجها من 10.3 ملايين برميل يومياً في العالم 1981م إلى 3.6 ملايين برميل يومياً في العام 1985م دون أن يكون لذلك أثر على الأسعار. فقد استمرت الأسعار بالانخفاض بسبب قيام الدول المنتجة للنفط بتعويض كميات إنتاج المملكة من النفط. وأدى إعلان المملكة إلى خفض أسعار النفط بنسبة 47.6 % ليصل متوسط سعر برميل النفط الخام إلى 14.4 دولاراً.

أيضاً تخللت تلك الفترة غزو الكويت في العام 1990م التي رفعت متوسط سعر البرميل بنسبة 30.2 % ليصل إلى 23.7 دولاراً. إلا أن أسعار النفط تراجعت بشكل حاد لا سيما في عامي 1997م و1998م نتيجة الأزمة الآسيوية التي خفضت أسعار النفط بنسبة 7.6 % و33.4 % على التوالي، ليصل متوسط سعر البرميل إلى 19.1 دولاراً في العام 1997م و12.7 دولاراً في العام 1998م.

خامساً: النفط أغلى من الذهب خلال الفترة من العام 2000م إلى النصف الأول من العام 2008م، وتزامنت هذه الفترة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي خفضت أسعار النفط بنسبة 14.2 % ليصل متوسط سعر البرميل إلى 24.4 دولاراً، وإضراب شركات النفط الوطنية الفنزويلية عن العمل خلال الفترة من ديسمبر 2002م إلى فبراير 2003م ليرتفع معها متوسط سعر برميل النفط بنسبة 61,6 % ويصل إلى 32,8 دولاراً.

أيضاً في مارس 2003م القوات الأمريكية تقود غزواً على العراق، ومتوسط سعر النفط يتخطى حاجز 30 دولاراً للبرميل مرتفعاً بنسبة 60,6 % و61,6 % على التوالي خلال شهري يناير وفبراير 2003م. وفي أغسطس 2004م متوسط سعر النفط يتجاوز 40 دولاراً للبرميل مدفوعاً بانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى، وارتفاع معدلات النمو في آسيا، وضعف قدرة الدول المصدرة على زيادة إنتاجها، ويستمر الارتفاع إلى أن يتجاوز متوسط سعر البرميل 70,26 دولاراً في أبريل 2006م.

وفي 1 فبراير 2007م أنجولا تنظم إلى منظمة «الأوبك». وفي 21 أغسطس 2007م تؤدي التوترات السياسية إلى انقطاع إمدادات النفط من نيجيريا التي تحتل المرتبة 12 في ترتيب الدول المصدرة للنفط. وتبدأ أسعار النفط بالارتفاع التدريجي إلى أن تكسر حاجز 100 دولار للبرميل في مارس 2008م. وفي 3 يولية 2008م أسعار النفط تسجل أعلى مستوى لها في تاريخها عند 145,29 دولاراً للبرميل.

وكل هذه الأحداث لعبت دوراً في تعزيز قيمة النفط مقابل الذهب حتى منتصف شهر سبتمبر 2008م حينما تتفاقم الأزمة المالية العالمية التي بدأت مبكراً في الولايات المتحدة في ديسمبر 2007م، حيث ترتب على الأزمة المالية العالمية تدهور حاد في أسعار النفط إلى أن وصل متوسط سعر برميل النفط إلى 39,95 دولاراً في ديسمبر 2008م. لكن أسعار النفط بدأت بالارتداد السريع خلال النصف الثاني من العام 2009م، وتعززت أسعار النفط بعد أحداث الربيع العربي لاسيما ثورة الشعب الليبي التي بدأت في فبراير 2011م ورفعت أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل.

وبدأت المالية العامة للسعودية في تحقيق فوائض مالية ضخمة بلغت 291 مليار ريال في العام 2011م، ونحو 374 مليار ريال في العام 2012م، ونحو 206 مليار ريال في العام المالي 2013م. وكان المدير التنفيذي لمجموعة (British Petroleum – BP) السيد بوب دادلي «Bob Dudley» قد صرح في ديسمبر 2011م في مؤتمر البترول العالمي أن مستقبل صناعة النفط والاقتصاد العالمي مرهونان بقدرة المملكة العربية السعودية على زيادة قدراتها الإنتاجية كل خمس سنوات.