بدأ مستقبل عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع البتروكيماويات العالمي واعداً بإجمالي قيمة صفقات عالمية بلغت 791 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية (2007-2017)، حيث تزعمت أميركا الشمالية قائمة الصفقات في العالم بقيمة 296 مليار دولار، وأوروبا بقيمة 230 مليار دولار، والصين بقيمة 111 مليار دولار وآسيا بقيمة 106 مليارات دولار والشرق الأوسط وأفريقيا بقيمة 22 مليار دولار وفي بقية العالم 26 مليار دولار.

وقال المحلل توماس رينجز، الشريك الرئيسي في أبحاث «إيه تي» الشرق الأوسط للطاقة في تقرير بهذا الشأن حول مستقبل الاندماجات والاستحواذات في الخليج «من المؤكد أن الشركات الكيميائية في دول مجلس التعاون الخليجي ستحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجيات الاندماج والاستحواذ الخاصة بها إذا كانت تريد دعم استراتيجياتها النهائية مع عمليات الاندماج والشراء والاستفادة من الفرص العديدة التي تنتظرها».

وبعد عام قياسي من عمليات الدمج والاستحواذ على مستوى العالم في عام 2017، مع سلسلة من الصفقات الضخمة التي تم إغلاقها في النهاية، هناك شعور سائد بالتفاؤل بين المديرين التنفيذيين لشركات البتروكيماويات لعام 2018 والذي يتوقع زيادة مستوى النشاط على المدى القصير، إلا أن المشهد قد تغير بشكل ملحوظ حيث إن الموجة المقبلة من خطط الدمج والاستحواذ تبدو أكثر تحدياً بكثير.

وعلى الرغم من أن نشاط الاندماج والاستحواذ في الشرق الأوسط ظل منخفضًا للغاية في عام 2017، إلا أنه أثبت عامًا قياسيًا بالنسبة لعمليات الدمج والاستحواذ على الصعيد العالمي، وعلى الرغم من عدد الصفقات المنجزة التي شهدت طفرة في حدود ضيقة، إلا أن قيمة هذه الصفقات ارتفعت عن السنوات السابقة وذلك بسبب إغلاق العديد من الصفقات العالمية الضخمة والتي تم الإعلان عنها في السنوات السابقة حيث أصبحت هذه الصفقات الضخمة تؤتي ثمارها بعد عمليات مطولة في كثير من الأحيان حيث بلغت الصفقات مستوى قياسي جديد بقيمة 231 مليار دولار.

ونتيجة لذلك فقد انخفضت مفاوضات الصفقات المعلقة إلى النصف مع صفقة بقيمة 66.3 مليار دولار من عملية استحواذ بين شركتي باير- مونسانتو وهي الصفقة الوحيدة من هذا المستوى ما زالت معلقة.

وفي الوقت الذي تبدو فيه التوقعات صعودية بشكل عام في عام 2018، إلا أن المشهد الاندماجي والاستراتيجي يبدو الآن مختلفًا تمامًا ومعقدًا بشكل متزايد حيث تقلص قنوات الاتصال لقلة الصفقات الضخمة في ظل وجود صفقات صغيرة غير مجدية بأسعار مرتفعة مما يجعل من الأهداف الفورية أكثر صعوبة لتحقيقها.

وتشير الاحتمالات بندرة الصفقات الكبيرة عام 2019 من حيث القيمة مقارنة بأنشطة السنوات الماضية، لأنه لا توجد صفقات كبيرة وشيكة في الأفق. كعديد من الصفقات التي أثارها المستثمرون الناشطون.

وتركزت معظم الاندماجات والاستحواذات على قطاع المواد الكيميائية المتخصصة والتي شكلت ما يقرب من 45 ٪ من قيمة الصفقات، في حين كان هناك تركيز أقل على قطاعات التجارة والتوزيع أو البتروكيماويات والكيماويات الأساسية. ومن المرجح أن يشهد قطاع المنتجات المتخصصة عام 2018 مزيدًا من المكاسب حيث يواجه اللاعبون ضغوطًا متزايدة للحفاظ على موقع قوي في قطاعات المواد الكيميائية المتخصصة التي يتنافسون فيها.

وأظهرت دراسة أن غالبية المسؤولين التنفيذيين في مجال الكيمياء يعتقدون أن التوقعات إيجابية حيث من المرجح أن تنمو عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية خلال العام المقبل. يتوقع 61 ٪ من المستجيبين زيادة في الاندماج والاستحواذ حيث أشار 11 ٪ فقط إلى حدوث انخفاض. ومن المثير للاهتمام أن وجهة النظر الإقليمية أكثر تواضعاً وأكثر تشاؤماً. في الشرق الأوسط ، على سبيل المثال، 39 ٪ فقط يثقون بالأنشطة المتزايدة و 14 ٪ يعتقدون أن الانخفاض أكثر احتمالاً.

وقد كان نشاط الاندماج والاستحواذ في الإقليم منخفضًا نسبيًا لعدد من السنوات، مع إطلاق صفقات كبيرة قليلة ومتباعدة ولم يكن هناك سوى عدد قليل من المعاملات ذات القيمة العالية على مدى العقد الماضي وهي شراء شركة «سابك» لشركة جنيرال إليكتريك «GE Plastic» بقيمة 11.6 مليار دولا منذ أكثر من عشر سنوات، ومؤخراً مشروع مشترك بين أرامكو السعودية وشركة الكيماويات المتخصصة الألمانية «لانكسيس» والتي شاركتها أرامكو في ملكية شركة أرلانكسيو» للبتروكيميائيات التابعة لشركة «لانكسيس» بنسبة 50%، في صفقة بلغ حجم استثماراتها 1.2 مليار يورو.

ونتيجة لذلك يفتقر اللاعبون الخليجيون إلى الخبرة إلى حد ما مقارنة بأقرانهم في أوروبا والولايات المتحدة وحتى في آسيا. ولذلك، يتعين على الشركات في منطقة الشرق الأوسط أن تزيد وتعيد تقييم استراتيجيات الاندماج والاستحواذ الخاصة بها إذا أرادت أن تظل قادرة على المنافسة وأن تطور سلاسل القيمة الخاصة بها في نهاية المطاف.

في وقت كان معظم اللاعبين الأوروبيين والأميركيين النشطين نشطين للغاية في عمليات الاندماج والاستحواذ في السنوات الأخيرة، حيث أداروا محافظهم بنشاط وفهموا كيفية توليد القيمة من خلال الشراء والبيع ونجحوا في تطوير مهارات اندماج واستحواذ قوية ويعمل بعضهم الآن تقريبا كمصانع استحواذ وخصصوا قطاعات خاصة بها في شركاتهم في ظل الخبرات والفرق المتخصصة لديهم. في حين أن الوضع يبدو مختلف تماماً في الشرق الأوسط حيث سيتعين على اللاعبين حقاً اللحاق بركب الاندماج والاستحواذ إذا أرادوا تحقيق استراتيجيات الاندماج والاستحواذ لديهم.

في الوقت الذي يتجه فيه اللاعبون الخليجيون لزيادة قيمة استحوذاتهم من مواردهم الهيدروكربونية والتي تؤدي إلى التركيز القوي على تطوير حافظات منتجاتهم بشكل أكبر، إلى المشتقات وحتى المواد الكيميائية المتخصصة. وهذا يتطلب اعتماد نماذج أعمال مختلفة حيث يحتاج اللاعبون في دول مجلس التعاون الخليجي إلى الوصول إلى تقنيات المنبع والتقريب ما بين العملاء والأسواق العالمية لجعل استراتيجياتهم الفرعية للاندماج والاستحواذ تعمل بشكل أفضل واحترافية لتحقيق ذلك.

ويشير التقرير إلى أن 35 ٪ من المستطلعين يرون أن عدم وجود الأهداف المتاحة هو عائق أساسي أمام عمليات الدمج والاستحواذ بشكل عام في دول المجلس حيث يتطلب الأمر مواصلة اللاعبون الأذكياء التخطيط للمستقبل وإعادة النظر في استراتيجيات الاندماج والاستحواذ الخاصة بهم وتحديد الأهداف المحتملة بدقة حتى وإن لم تكن متوفرة حاليًا، وهم بحاجة للتحضير حيث إن جميع اللاعبين الرئيسيين في جميع أنحاء العالم لديهم قائمة من الشركات المستهدفة ويقومون باجتهاد قبل أن يصبح الهدف متاحاً. ولم يعد بإمكانهم تحمل نهج الانتظار والترقب إذا كانوا يريدون النجاح في عمليات الدمج والاستحواذ الكيميائية.