أمضى المقترح الشوري لتشريع نظام يكافح التمييز وبث الكراهية أكثر من عامين في اللجنة الإسلامية والقضائية بعد موافقة المجلس على ملاءمة دراسته، وقبلها نحو عامين آخرين منذ تقديم المقترح، وحسب مصادر  فالمشروع قد شارف على الانتهاء تمهيداً لعرضه ومناقشته والتصويت عليه، واستبق مجلس الشورى بذلك وعبر 12 عضواً سابقين وحاليين، توصيات هيئة حقوق الإنسان التي طالبت مؤخراً بإصدار قانون يجرم التمييز، ويستهدف مقترح الأعضاء عبدالله الفيفي، ولطيفة الشعلان، وهيا المنيع، وحمدة العنزي، وثريا عبيد، ولبنى الأنصاري، وسعد البازعي، وأحمد الشويخات، وعلي التميمي، وناصر بن داوود، وصاحبة السمو الملكي الأميرة سارة الفيصل، وصاحبة السمو الملكي الأميرة موضي بنت خالد آل سعود، تعزيز قيم الدين الحنيف في التقارب والتعاون واحترام الآخر ومناهضة الكراهية والحفاظ على الأمن الوطني في ظل الأوضاع السياسية الراهنة، ومواجهة نزعات التطرف والإرهاب التي باتت تهدد الأمن والسلم في المجتمعات العربية والإسلامية، كما يعزز المقترح المنظومة النظامية في المملكة ويقي الدولة من مخططات وتحديات تحيط بها ومساعٍ لتأجيج الفتن والانقسامات، إضافة إلى حظر أي إساءات للأشخاص على الشبكة العنكبوتية، والتأكيد على الاتفاقيات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وقد أكدت أهداف النظام أيضاً على تجريم التمييز بجميع أشكاله ضد الأفراد والجماعات ومنع الانتقاص منهم بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة أو الدين أو المعتقد أو المذهب أو المنطقة أو المهنة، والحيلولة دون نشر النعرات القبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية أو القائمة على التصنيفات الفكرية أو السياسية، وحماية أماكن أداء الشعائر الدينية، ومنع الاعتداء عليها بكافة الأنواع أو الإساءة إلى المقدسات، أو النيل من الرموز التاريخية المشكلة للهوية، إضافة إلى حماية أماكن دفن الموتى وكذلك حماية المقابر تأكيداً لما نص عليه الشرع الحنيف، وتعزيز الوحدة الوطنية كواجب لمنع كل ما يؤدي للفرقة والفتنة.

وقد أشار تقرير للجنة الإسلامية والقضائية -في مرحلة التوصية بالملاءمة- إلى أن من دواعي تقديم ودراسة مقترح مكافحة التمييز ونبذ الكراهية، وجود حاجة ماسة إلى نظام متكامل تفصيلي متماشٍ مع النهج الإسلامي، وضرورة المحافظة على النسيج الاجتماعي لأطياف المجتمع السعودي وتحقيق العدالة في تطبيق الأنظمة على نحو يضمن حرية التعبير عن الرأي، إضافة إلى التهديد الذي شهده الوطن من تفجير وتدمير للمقدسات الإسلامية وظهور الأطماع الإقليمية الواضحة في منطقة الخليج العربي، والاستغلال السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي بصورة تهدد السلم الاجتماعي، وكذلك تفشي بعض فئات المجتمع التي تبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بأسباب التعصب للون أو العرق أو الطائفة، إلى غير ذلك من الأسباب.

واعترض الأعضاء عبدالعزيز النصار رئيس ديوان المظالم السابق، ومحمد الجرباء المتخصص بالقانون وسليمان الفيفي، على المقترح في مرحلة ملاءمة الدراسة وأكدوا أن الأفعال التي تضمّن تجريمها، جاء النص على تجريمه صراحة في الكتاب والسنّة، والنظام الأساسي للحكم، وعدد من الأنظمة السارية والاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة، ومن ثم لا يوجد فراغ تشريعي ليتم معالجته من خلال مشروع هذا النظام، ويؤكد ذلك ما جاء في بيان النيابة العامة بأن أي مشاركة تحمل مضامين ضارة بالمجتمع، أياً كانت مادتها وذرائعها، ووسائل نشرها، فإنها ستكون محل مباشرة النيابة العامة، وفق نطاقها الولائي، وبحسب المقتضى الشرعي، والنظامي انطلاقاً من قول الحق تبارك وتعالى، ومن ذلك إثارة نعرات الكراهية، والطائفية، والتصنيفات الفكرية، والمذهبية، تأسيساً على ما للنيابة العامة من ولاية عامة تخولها تحريك الدعاوى الجزائية في جميع الجرائم، ولفت الأعضاء إلى أن طرح هذا المشروع وتداوله يبقى مقلقاً للمفهوم الوطني الإيجابي عن المحبة والمساواة السائدة بين جميع أطيافه، وقد يكون مدعاة لظهور الكراهية والتمييز بسبب بعض الأحكام الواردة فيه فيكون أسس لذلك بطريقة غير مباشرة، كما لم يتبين للمجلس من خلال مراجعته لتقارير الجهات الحكومية ومنها القضائية والأمنية أو من خلال وسائل الإعلام ومواقع التوصل الاجتماعي أن هناك شكوى من فراغ تشريعي في هذا المجال، ونبه تقرير رأي الأقلية في اللجنة القضائية، أن صدور الأنظمة عادة يكون لتنظيم ظواهر تحتاج إلى نظام يحكمه، ومقترح مشروع هذا النظام لم يبن على توثيق بحثي إحصائي بوجود ظاهرة تمييز أو كراهية متفشية في مجتمعنا، وكذا اللجنة في رأي الأكثرية لم تؤسس رأيها على ثبوت ذلك إحصائياً، بل ولم يرفع من هيئة حقوق الإنسان وهي جهة مختصة أي إحصائية حول الموضوع، فضلاً عن أن المملكة -بفضل الله- أقل الدول تعرضاً لما يعكر صفوها في هذا الموضوع بحكم قاعدتها الشرعية وما يحمله مواطنوها من وازع الشرع ومنطق الوعي، أما الحالات الاستثنائية فلا يقاس عليها ولا تتطلب استنفاراً تشريعياً لافتاً دونما مسوغ يمكن الاستناد إليه.

وقبل حسم ملاءمة المقترح للدراسة ناقش الأعضاء تقرير لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية واستمع المجلس أيضاً لتقرير رأي الأقلية في اللجنة، وتباينت وجهات نظر الأعضاء، فأول المتداخلين فايز الشهري رأى أن فكرة المقترح فكرة حضارية ومطلب شرعي ووطني لمحاربة بث الكراهية، ورأى أيوب الجربوع وفهد بن جمعة وآخرون عدم الحاجة لدراسة النظام لعدم وجود فراغ تشريعي واعتبر بن جمعة أن النظام المعروض للمناقشة ليس لمكافحة العنصرية بل هو «عنصري»، واعترف الأعضاء سواء المؤيد أو المعارض لدراسة المقترح بعدم اعتبار التمييز وبث الكراهية في المملكة ظاهرة، وقال ناصر العتيبي إن المقترح طرح في مجلس الشورى أكثر من ثلاث مرات بمضمون واحد وأسماء مختلفة..!، وأكد أن جميع المواد والأهداف التي جاءت به مندرجة ضمن نصوص نظامية قائمة وليس هناك ما يحتم تشريع نظام جديد، وقال إن النظام الأساس للحكم ينص في جميع مواده على نبذ الكراهية والعنصرية وتطالب بالعدل والمساواة والسلم والشورى والوحدة الوطنية، مستمداً ذلك من القرآن والسنة وهي كفيلة عن المقترح، وقال العتيبي بأن مصطلح التمييز العنصري كما ورد في مقترح مكافحة بث الكراهية، مصطلح فضفاض يدخل ضمنه العقيدة والمعتقد والفكر وحرية المعتقد للطفل ونكران الذات الإلهية والإلحاد والمثليين في الجنس، ما قد يوجد مكاناً للاجتهادات والتحول من أحكام الشرع والعقيدة في الأحوال الشخصية إلى الأنظمة الوضعية ويساعد على التعدي على النصوص المقدسة في القرآن الكريم، وقال عضو المجلس الدكتور عبدالله الحربي أن من يتابع ما يطرح في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يجد شيئاً، من التمزيق والتفتيت والتفريق والتصنيفات التي لم تكن موجودة في السابق، وأشار إلى أن بعض مشكلات مهددات الوحدة الوطنية قد ترتبط بجرائم، ولا بد من ضبطها عبر نظام منفصل، وأضاف الحربي بأن المتأمل في دراسة هذا المقترح يجد أن معظم بنوده متوافقة مع المصلحة العامة والشريعة، وربما تكون هناك بعض البنود التي تتعارض مع الشريعة ومع بعض الأنظمة، وتستطيع اللجنة القضائية أن تزيل هذا اللبس، وتخدم المقترح، فيما يحقق المصلحة العامة، فالمجتمع بحاجة الى ضبط شديد، خاصة في قضية التصنيفات والمصطلحات، التي تطلق جزافاً.

واتفق مشعل السلمي عضو الشورى مع ملاءمة دراسة المقترح، مشدداً على أهمية صدور نظام يتضمن تجريم التمييز وبث الكراهية من منطلقات مذهبية أو طائفية أو عرقية لأن التمييز وبث الكراهية يؤديان إلى تمزيق وحدة المجتمع، وضرب نسيجه الوطني، وإضعاف قوته، وقال «نحن في المملكة والعالم العربي والإسلامي في أمس الحاجة لوحدة الموقف»، وأكد على أن صدور مثل هذا النظام من المملكة له أثر إيجابي كبير، وسنة حميدة، ومبادرة نوعية سوف تتأثر بها الدول العربية والإسلامية وسوف يقوي جسد الأمة ليكون صلباً وقوياً في مواجهة التحديات والأخطار التي يسعى أعداء الأمة للنيل منها والتفرقة بين أبنائها، ورأى السلمي أهمية دراسة وصدور مثل هذا النظام انطلاقاً من أحكام وقيم ديننا الإسلامي العظيم، والحرص على بناء مجتمعنا على قيم ومبادئ تقوي وتحفظ المجتمع في مواجهة التحديات الجسيمة، وتمنع أعداءه من بث سموم الفرقة والفتنة والأحقاد بين أبنائه.